إذ خفاء مثله فيما عليه مبنى العادة محال، لا سيما والطاعنون فيه أكثف عدداً من الذابين عنه، فحين لم ينقل علم أنه إخبار بالغيب على ما هو به فكان معجزة. فإن قلت: ما معنى اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله؟ قلت: إنهم إذا لم يأتوا بها وتبين عجزهم عن المعارضة، صح عندهم صدق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد ولم ينقادوا ولم يشايعوا، استوجبوا العقاب بالنار،....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إذ خفاءُ مثله) الضمير راجعٌ إلى "شيء"، و"فيما عليه" ظرف "محال" أي: خفاء ما وهو على صفة ذلك الشي المعارض به من الخطر والفخامة محالٌ فيما جرت به العادة. هذا الجواب مبني على قاعدةٍ أصولية. أي: علم أنهم ما أتوا بمثله لأنهم لو أتوا به لتواتر بين العالمين لتوفر الدواعي على نقله، وحين لم ينقل علم عدم الإتيان، فكان الإخبار عنه إخباراً بالغيب. فيكون معجزةً.
قوله: (أكثف عدداً)، الأساس: كتف الشئ: كثر مع الالتفاف، وتكاثف عددهم.
قوله. (ما معنى اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة) أي: كيف يترتب على قوله: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي: إن لم تأتوا بسورةٍ من مثله. قوله: (فَاتَّقُوا النَّارَ) لأن عدم إتيانهم بمثله لا يصح أن يكون سبباً لاتقاء النار: لأنه تقرر أن الشرط سبب للجزاء، على أن الكلام مع المرتابين وهم ينكرون النار فكيف يتقونها؟
وأجاب بأن "فاتقوا" ليس جوابا للشرط المذكور، بل هو منبئ عن شرط محذوفو كما أن اتقاء النار كناية عن ترك العناد، وإليه الإشارة بقوله: "وإذا صح عندهم صدقه، ثم لزموا العناد، استوجبوا العقاب" هذا السؤال والجواب يرد قول الزاعم أن قوله: (فَاتَّقُوا) - صريحا كان أو كناية- جواب لقوله: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا)، بل جزاء لشرط محذوف يستدعيه قوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ)] البقرة: ٢٣ [.