فإن قلت: صلة «الذي» و «التي» يجب أن تكون قصة معلومة، للمخاطب، فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟ قلت: لا يمتنع أن يتقدّم لهم بذلك سماع من أهل الكتاب، أو سمعوه من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أو سمعوا قبل هذه الآية قوله تعالى في سورة التحريم (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) فإن قلت: فلم جاءت النار الموصوفة بهذه الجملة منكرة في سورة التحريم، وهاهنا معرّفة؟ قلت: تلك الآية نزلت بمكة، فعرفوا منها ناراً موصوفة بهذه الصفة. ثم نزلت هذه بالمدينة مشاراً بها إلى ما عرفوه أوّلاً. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ؟ قلت: معناه أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران، بأنها لا تتقد إلا بالناس والحجارة،.....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمعنى ليس وقود النار إلا الناس: لأن الناس بمنزلة الحطب، وعلى الأول يجوز أن يكون هناك وقود آخر.
قوله: (تلك الآية نزلت بمكة ثم نزلت هذه بالمدينة)، الانتصاف: يعني بآية سورة التحريم (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) لكني لم أقف على خلاف أن سورة التحريم مدنية، والقصة أنها شاهدة بصحة ذلك، والظاهر أن الزمخشري وهم في قوله: إنها مكية.
وقلت: يؤيده ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله ﷺ يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر رضي الله عنهما" وساقوا الحديث إلى قوله: فنزل (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)] التحريم: ١ [، وكذلك قوله تعالى بعدها: (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التحريم: ٩] وإنما نجم النفاق في المدينة.