وتحريره أن (رزقوا) جعل مطلقا مبتدأ من ضمير الجنات، ثم جعل مقيدا بالابتداء من ضمير الجنات، مبتدأ من (ثمرةٍ)، وليس المراد بالثمرة التفاحة الواحدة أو الرمانة الفذة على هذا التفسير، وإنما المراد النوع من أنواع الثمار.
ووجه آخر: وهو أن يكون (مِنْ ثَمَرَةٍ) بيانا على منهاج قولك: رأيت منك أسداً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وتحريره)، الأساس: حرر الكتاب: حسنة وخلصه بإقامة حروفه وإصلاح سقطه.
فإن قلت: ما معنى قوله أولا: "موقعه موقع قولك من الرمان" ثم ثانيا: "وتنزيله تنزيل أن تقول: رزقني فلان" وثالثا: "تحريره: أن تقول (رُزِقُوا) جعل"؟ قلت: الأول لبيان الموقع وكونه صفة الفعل، والثاني: لبيان المعني وأن مرجع "من" الابتدائية على تقدير السؤال والجواب. والثالث: لبيان خلاصة المعنى وزبدته.
قوله: (وليس المراد بالثمرة التفاحة... على هذا التفسير) أي: على أن تكون "من" ابتدائية في (مِنْ ثَمَرَةٍ) لأن "رزقا" هو بمعنى مرزوقا، وهو أعم من أن يكون من الجنة أو من مكان غيرها، ومن أن يكون ثمرة أو غيرها من المأكولات، فخص عموم الأمكنة بقوله: (مِنْهَا) وعموم المأكولات بقوله: (مِنْ ثَمَرَةٍ) لكن بقي عاما في هذا الجنس، فلا وجه لتخصيصها بثمرة دون ثمرة فضلا عن أن تكون جناه واحدة. وفي نظيرة بقوله: "رزقني فلان، فيقال لك: من أين؟ فتقول: من بستانه، فيقال: من أي ثمرة رزقك من بستانه؟ فتقول: من الرمان" إيمان ألى هذا المعنى فقوله: "من الرمان" بيان للنوع، ويبعد أن يجاب عن قوله: من أي ثمرة بقوله: من الرمان الفذ، إذا ليس السؤال عن العدد.
قوله: (رأيت منك أسداً) يعني هو من باب التجريد وهو: أن ينتزع من ذي صفةٍ آخر مثله فيها، إيهاما لكمالها فيه، كأنك جردت من المخاطب شيئا يشبه الأسد وهو نفسه. كذا هنا