فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله: (وَأُتُوا بِهِ)؟ قلت: إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً لأنّ قوله: (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين. ونظيره قوله تعالى: (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما) [النساء: ١٣٥]، أي: بجنسى الغنى والفقير لدلالة قوله: غنياً أو فقيراً على الجنسين. ولو رجع الضمير إلى المتكلم به لقيل أولى به على التوحيد. فإن قلت: لأى غرض يتشابه ثمر الدنيا وثمر الجنة، وما بال ثمر الجنة لم يكن أجناسا أخر؟ قلت: لأنّ الإنسان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال القاضي: هذا إشارة الى نوع ما رزقوا، كقولك مشيراً إلى نهر جار: هذا الماء لا ينقطع، فإنك لا تعني به العين المشاهد منه بل النوع المعلوم المستمر بتعاقب جريانه وإن كانت الإشارة إلى عينه.
وقال صاحب"الفرائد": الإشارة بقوله: "هذا" إلى النوع فلا حاجة إلى التأويل الذي ذكره.
وقلت: قوله تعالى (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) يخوجه إلى التأويل؛ لأنه اعتراض يقرر أمر المعترض فيه، أو حال مقيد، وإليه الإشارة بقوله: "بدليل قوله: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) ".
قوله: (لأن قوله: (هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ) انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين) أي: المشبه والمشبه به مشتملان على معنى المرزوق في الدارين؛ يعني من أراد أن يعبر عن قوله: هذا الذي رزقنا في الآخرة مثل الذي رزقنا في الدنيا بلفظ جامع له أن يقول: المرزوق في الدنيا والآخرة، وهذا الطريق في البيان يسمى بالكناية الإيمائية، فالضمير المفرد راجع إلى المفهوم الواحد الذي تضمنه اللفظان، فلو رجع إلى الملفوظ وهو المشبه والمشبه به لقيل: وأتوا بهما، ونظيره في رجوع الضمير إلى المعنى دون اللفظ قوله تعالى: (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) [النساء: ١٣٥] إذ لو اعتبر اللفظ لقيل: "أولى به" على الأفراد؛ لأن الضمير في الشرط