بالمألوف آنس، وإلى المعهود أميل، وإذا رأى ما لم يألفه نفر عنه طبعه وعافته نفسه، ولأنه إذا ظفر بشيء من جنس ما سلف له به عهد وتقدّم له معه ألف، ورأى فيه مزية ظاهرة، وفضيلة بينة، وتفاوتا بينه وبين ما عهد بليغاً، أفرط ابتهاجه واغتباطه، وطال استعجابه واستغرابه، وتبين كنه النعمة فيه، وتحقق مقدار الغبطة به. ولو كان جنساً لم يعهده وإن كان فائقا، حسب أنّ ذلك الجنس لا يكون إلا كذلك، فلا يتبين موقع النعمة حق التبين. فحين أبصروا الرمانة من رمان الدنيا ومبلغها في الحجم، وأن الكبرى لا تفضل عن حدّ البطيخة الصغيرة، ثم يبصرون رمّانة الجنة تشبع السكن،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو قوله: "إن يكن" راجع إلى المشهود عليه في قوله تعالى: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ) أى: المشهود عليه (غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) ليتطابق الشرط والجزاء، لكن لما كان المانع من الشهادة على الأقرباء غالباً إما خوف الفقر عليهم إذا كانوا أغنياء، أو تضررهم بها إذا كانوا فقراء عم الصفتين بتثنية الضمير، أي: الله أولى بجنس المتصف بصفة الغني، وبجنس المتصف بصفة الفقر، سواء كان مشهوداً عليه أو غيره، وأعلم بمصالحه وبما ينفعه، فيدخل في هذا العالم المشهود عليه دخولاً أولياً، وهذا أيضاً كناية إيمائية. يدل على العموم قوله: "بجنسي الغني والفقير".
قوله: (مزية)، الجوهري: المزية الفضيلة ولا ينبني منها فعل. وفي "حاشية الصحاح": يقال: أمزيته عليه، أي: فضلته.
الأساس: تميزت علينا: تفضلت، أي: رأيت لك الفضل علينا، ومزيت فلانا فضلته.
قوله: (وتبين كنه النعمة فيه) فاعله الإنسان، الجوهري: تبين الشيء: ظهر، وتبينته أنا.
قوله: (تشبع السكن)، النهاية: السكن بفتح السين وسكون الكاف: أهل البيت، جمع ساكن كصاحب وصحب.