وأهل العناد والمراء من الكفار واستغربوه من أن تكون المحقرات من الأشياء مضروبا بها المثل- ليس بموضع للاستنكار والاستغراب، من قبل أنّ التمثيل إنما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب، وإدناء المتوهم من المشاهد. فان كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن القرآن معجزٌ أتى بشبهةٍ أوردها الكفار قدحاً في ذلك وأجاب عنها، وتقرير الشبهة: أنه جاء في القرآن ذكر النحل والذباب والعنكبوت، وهذه الأشياء لا تليق بكلام البلغاء فضلاً عن كلام الله المجيد.
وأجاب: إن صغر هذه الأشياء لا يقدح في البلاغة إذا كان ذكرها مشتملا على حكم بالغة.
والمؤلف وإن لم يصرح بهذا المعني لكن أومى إليه في كلامه، فعلى هذا نظم هذه الآية بما قبلها نظم قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة: ٦] في كونها جملة مستطردة كما ذكره الإمام.
وقلت: تلك في أحوالهم وهذه في أقوالهم.
قوله: (أو أهل العناد) أي: المستنكرون طائفتان: طائفة لا يعلمون، وأخرى يعلمون ولكن يعاندون.
قوله: (فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله) لم يرد به التشبيه التمثيلي أو الاستعارة التمثيلية بل أعم. وفيه. أن المشبه وإن كان فرعا في إلحاقه بالمشبه به لكنه أصل في إيراد المشبه به من كونه عظيما أو حقيرا أو غيرهما من الصفات. وإليه الإشارة بقوله: "فليس


الصفحة التالية
Icon