وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك. فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إذاً إلا أمراً تستدعيه حال المتمثل له وتستجرّه إلى نفسها، فيعمل الضارب للمثل على حسب تلك القضية. ألا ترى إلى الحق لما كان واضحاً جلياً أبلج، كيف تمثل له بالضياء والنور؟ وإلى الباطل لما كان بضد صفته، كيف تمثل له بالظلمة؟ ولما كانت حال الآلهة التي جعلها الكفار أنداداً للَّه تعالى لا حال أحقر منها وأقلّ، ولذلك جعل بيت العنكبوت مثلها في الضعف والوهن، وجعلت أقلّ من الذباب وأخس قدراً، وضربت لها البعوضة فالذي دونها مثلا لم يستنكر ولم يستبدع، ولم يقل للمتمثل: استحى من تمثيلها بالبعوضة، لأنه مصيب في تمثيله، محق في قوله، سائق للمثل على قضية مضربه، محتذ على مثال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العظم والحقارة في المضروب به" إلى آخره، فإذا اقتضى وصف آلهتهم بأن تثبت لها صفة الحقارة فلا بد أن يجاء بالممثل به ما يشتمل على معنى الحقارة كما نحن بصدده. ولما اقتضى وصف التكليف العظمة والفخامة في قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الآية [الأحزاب: ٧٢] جاء بالمثل به كما ترى.
قوله: (لم يستنكر) جواب "لما" أي: لم يستنكر ضرب البعوضة لها مثلاً.
قوله: (قضية مضربه) أي: موضع ضرب المثل فيه.
اعلم أن المستعار في التمثيل إذا كان قولاً سائراً يشبه مضربه بمورده سمي مثلاً، وإن لم يكن للمضرب موردٌ سمي تمثيلا، وكلام الله وارد على الثاني دون الأول.
قوله: (محتذ على مثال) هو افتعال من الحذو، وفيه معنى الاعتمال.
الجوهري: حذوت النعل بالنعل إذا قدرت كل واحدة على صاحبتها. وضمن معنى قدر، وعدى بـ"على"