ما يحتكمه ويستدعيه، ولبيان أنّ المؤمنين الذين عادتهم الإنصاف والعمل على العدل والتسوية والنظر في الأمور بناظر العقل، إذا سمعوا بمثل هذا التمثيل علموا أنه الحق الذي لا تمرّ الشبهة بساحته، والصواب الذي لا يرتع الخطأ حوله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما يحتكمه) يقال: احتكمه الى الحاكم: ذهب به إليه واستصحبه معه واستجره. والضمير المستتر في "يحتكمه" عائد إلى الممثل له، أي: الذي ضرب لأجله المثل نحو حال الآلهة مثلاً، والبارز إلى ما.
قوله: (ولبيان أن المؤمنين) عطف على قوله: "لبيان أن ما استنكره" على طريقة: أعجبني زيد وكرمه؛ لأنه تفصيله، بدليل عطف قوله: "وأن الكفار" على قوله: "أن المؤمنين" ثم قوله: "إن ذلك سبب زيادة الهدى وانهماك الفاسقين" كالنشر للمعطوفين. وتحريره: أن الآية من باب الجمع مع التقسيم والتفريق والتذييل، وتفسيره لها موافق لهذه الصنعة.
أما الجمع فقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) [البقرة: ٢٦]، لأنها متضمنة لحقية المثل وباطلية مستنكريه، وإليه أومى بقوله: "لم يستنكر ولم يستبدع" وبقوله: لأنه مصيب في تمثيله محق في قوله".
ولما كان أصل الكلام مسوقاً للكفار، وذكر المؤمنين فيه على التبعية، صرح بذكرهم ونسب إليهم الاستنكار، ولم يذكر المؤمنين، لكن أثبت فيه الحقية التي هي مما ينسب إلى المؤمنين.
وأما التقسيم، فالجملتان المصدرتان بـ "إما" لأنهما تفصيلا ما اشتمل عليه الكلام السابق، فجعل الحق منسوباً إلى صاحبه. والإنكار مضافاً إلى أهله، وإليه الإشارة بقوله: "وأن المؤمنين الذين عادتهم" وبقوله: "وأن الكفار الذين غلبهم الجهل".