أي: لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيى أن يتمثل بها لحقارتها. ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة، فقالوا: أما يستحيى رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال. وهو فنّ من كلامهم بديع، وطراز عجيب، منه قول أبي تمام:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنصاف: وفي كلام الزمخشري ما يدل على أن التأويل إنما يحتاج إليه في الخبر لا في الآية فقف عليه.
قلت: يرده إثباته الترك في تأويل الحديث بقوله: "مثل تركه" ونفيه في تأويل الآية بقوله: "أي: لا يُترك ضرب المثل" والفرق بين قولنا: إنه تعالى ليس بجسمٍ ولا عرضٍ وما في الآية واحلديث، هو: أن القصد في ذلك التنزيه وما لا يجوز أن يُنسب إليه تعالى، وفي الآية القصد إلى تجويز ضرب المثل وأن الحياء غيرُ مانعٍ منه. وفي الحديث القصد إلى تركه تخييب العبد، وأن الحياء مانعٌ من التخييب، فالمقاصد مختلفة والمقامات متباينة، فهما قريبان من ترتب الحكم على الوصف المناسب، فلا بد من اعتبار المجاز.
قوله: (على سبيل المقابلة، وإطباق الجواب) اعلم أن ها هنا ألفاظاً يذكرها أرباب البديع، أحدها المقابلة: وهي الجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وبين ضديهما، وثانيها: المطابقة: وهي أن يجمع بين متضادين، وثالثها: المشاكلة وهي: أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته، والآية من قبيل النوع الأخير وإن سماه المصنف باسم النوع الأول، لكن المشاكلة على التقدير إذ لولا قولهم: أما يستحيي رب محمدٍ أن يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت على سبيل الإنكار لم يحسن قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي) جواباً عنه، وبيت أبي تمام من المشاكلة التي لم ترد على السؤال والجواب وإن تأخر فيه المصاحب عن المصاحب، ومثله قوله:


الصفحة التالية
Icon