أما الرفع: فعلى الابتداء، وأما النصب والجرّ، فلما مرّ من صحة القسم بها وكونها بمنزلة اللَّه واللَّه على اللغتين. ومن لم يجعلها أسماء للسور، لم يتصوّر أن يكون لها محل في مذهبه، كما لا محل للجمل المبتدأة وللمفردات المعدّدة.
[(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)].
فإن قلت: لم صحت الإشارة بذلك إلى ما ليس ببعيد؟ قلت: وقعت الإشارة إلى الم بعد ما سبق التكلم به وتقضى، والمتقضى في حكم المتباعد، وهذا في كل كلام. يحدّث الرجل بحديث ثم يقول: وذلك ما لا شك فيه. ويحسب الحاسب ثم يقول: فذلك كذا وكذا. وقال اللَّه تعالى: (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة: ٦٨]. وقال: (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف: ٣٧]، ولأنه لما وصل من المرسل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فعلى الابتداء)، أراد بالإبتداء اعم من أن يكون مبتدأ أو خبرا؛ فإن الإبتدائية هو رافعها كما هو مذهب المحققين.
قوله: (لما مر)، يعني في جواب قوله: "هل تسوغ في المحكية مثل ما سوغت لي في المغربة؟ " وهو قوله: "أن يقضي له بالجر والننصب جميعا".
قوله: (ولأنه لما وصل)، معطوف من حيث المعنى على قوله: "وقعت الإشارة" فإنه لما قال: "لم صحت الإشارة ب"ذلك" إلى ما ليس ببعيد" أجاب: إنما صحت الإشارة لأنه أشير بها إلى (الم) بعد ما سبق، "ولأنه لما وصل من المرسل" إلى آخره.


الصفحة التالية
Icon