وكم من مرتاب فيه! قلت: ما نفى أنّ أحداً لا يرتاب فيه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فينبغي أن لا يتصور فيه الريب، ولا ما يتعلق به من وجود المرتاب وقد كثر المرتابون.
قوله: (ما نفى أن أحداً لا يرتاب فيه)، قيل: إن ((نفى)) مسند إلى ما بعده و ((لا)) زائدة، أي: ما نفى عدم ارتياب أحد، وفيه ضعف.
وقيل: أن ((نفى)) مسند إلى ضمير الريب، واللام مقدر في قوله: ((أن أحدا)) والتحقيق: أنه مسند إلى ما بعده و ((لا)) غير مزيدة، وأن ((أحدا)) مثله في قوله تعالى: ((لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ)) [الأحزاب: ٣٢] يعني لم يقصد بالنفي الاستغراقي نفي كل واحد واحد لا يرتاب فيه، وإنما قصد نفي كل فرد من الريب، ويدل عليه قوله: ((وإنما: المنفي كونه متعلقا للريب)) وتعليله بقوله: ((لأنه من وضوح الدلالة)) إلى آخره، يعنى: ما نفى الريب بحيث ينتفي به المرتابون وإنما نفى المرتابون. وإنما نفي بطريق يرشد إلى أنه لا ينبغي لمرتاب أن يرتاب فيه؛ فإذن الكلام مع المرتابين، ويدل عليه أيضا تصدير الكلام بأسامي حروف التهجي؛ لأنها كالتنبيه وقرع العصا لهم، كأنه قيل: أيها المرتابون، تنبهوا من رقدة الجهالة، واعلموا أن القرآن من وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه، فينطلق على هذا استشهاده بقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا) [البقرة: ٢٣] وتفسيره: فيتحققوا عند عجزهم أن ليس فيه مجال للشبهة. وكلام صاحب ((المفتاح)): ويقلبون هذه القضية مع المنكر إذا كان معه ما إذا تأمله ارتدع كقوله تعالى في حق القرآن: (لَا رَيْبَ) [البقرة: ٢].