وإنما المنفي كونه متعلقا للريب ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه. ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة: ٢٣]! فما أبعد وجود الريب منهم؟ وإنما عرفهم الطريق إلى مزيل الريب، وهو أن يحرزوا أنفسهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مظنة له)، قال في ((النهاية)): المظنة بالكسر: مفعلة من الظن، أي: الموضع الذي يظن به الشيء. ومنه حديث: ((طلبت الدنيا من مظان حلالها)) أي: المواضع التي أعلم فيها الحلال. ناسب هذا التفسير معنى الآية من حيث إنه تعالى جعل القرآن كظرف أخلي عن الريب، يعني: ليس القرآن ظرفا للريب، ولا الريب مما يصلح أن يكون مظروفا له ومتعلقا به.
قوله: (أن يقع فيه)، أي: يظعن، الأساس: وقع الشيء على الأرض وقوعا. ومن المجاز: وقع فيه: اغتابه.
وفاعل ((يقع)) ضمير المرتاب، والضمير في ((فيه)) للقرآن، أي: لا ينبغي لمرتاب أن يطعن فيه.
قوله: (فما أبعد وجود الريب عنهم)، أي: خاطب المصرين على الريب الجازمين فيه بما يدل على خلوهم عنه، ولم يقصد به أنهم غير مرتابين، وإنما قصد به إرشادهم وتعريفهم الطريق إلى مزيل الريب على سبيل الاستدراج، يعني: أن الارتياب من العاقل في مثل هذا المقام واجب الانتفاء، فلا يفرض إلا كما تفرض المحالات، وأنتم عقلاء ألباء، تفكروا فيه، وجربوا نفوسكم، وانظروا هل تجدون فيه مجالا للريب.
قال في قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ): ((وما أبعد)) وفيها مر ((ما نفي))؛ لأن ((لا)) صريحة في النفي، و ((إن)) هنا متضمنة له.