فإن قلت: فلم قيل: (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) والمتقون مهتدون؟ قلت: هو كقولك للعزيز المكرم: أعزك اللَّه وأكرمك، تريد طلب الزيادة إلى ما هو ثابت فيه واستدامته، كقوله: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: ٦].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورابعها: التمكين من مجاورته في دار الخلد، وإياها عني بقوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) [الأعراف: ٤٣] فإذا ثبت ذلك، فمن الهداية مالا ينفى عن أحد بوجه، ومنها ما ينفي عن بعض ويثبت لبعض؛ ومن هذا الوجه قال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص: ٥٦] فإنه عني الهداية التي هي التوفيق وإدخال الجنة، دون التي هي الدعاء كقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: ٥٢].
قوله: (فلم قيل)، الفاء فيه تدل على إنكار ما تقدم؟ يعني لما دللت على أن الهدى هي الدلالة الموصولة إلى البغية لا مطلق الدلالة، فحينئذ كيف يستقيم (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) والمتقوم هم المهتدون؟
وأجاب بجوابين:
أحدهما: باعتبار الثبات والزيادة.
وثانيهما: باعتبار ما يؤول، وكذا الفاء في السؤال الآتي بعده إنكار على جوابه الثاني، أي: إذا كان المراد بالمتقين ما ذكرت، فلم ارتكب المجاز وترك الحقيقة؟
وأجاب أيضًا بوجهين:
أحدهما: إثبات الاختصار الذ يهو حلية القرآن.
وثانيهما: رعاية براعة الاستهلال.


الصفحة التالية
Icon