فضحك وقال: «إن كان وسادك لعريضاً»، وروى: «إنك لعريض القفا! إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل»؟ قلت: غفل عن البيان، ولذلك عرّض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قفاه، لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته. وأنشدتنى بعض البدويات لبدوى:

عَرِيضُ القَفَا مِيزَانُهُ فِى شِمَالِهِ قَدِ انْحَصَّ مِنْ حَسْبِ القَرَارِيِط شَارِبُهْ
فإن قلت: فما تقول فيما روي عن سهل بن سعد الساعدي: أنها نزلت ولم ينزل (مِنَ الْفَجْرِ)، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبينا له، فنزل بعد ذلك (مِنَ الْفَجْرِ)؛ فعلموا أنه إنما يعنى بذلك الليل والنهار؟ وكيف جاز تأخير البيان وهو يشبه العبث، حيث لا يفهم منه المراد، إذ ليس باستعارة لفقد الدلالة، ولا بتشبيه قبل ذكر الفجر،......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "عريض الوسادة" كناية تلويحية، فإن عريض الوسادة مشعر بعريض القفا، وعريض القفا مشعر بالبلاهة، وعريض القفا: كناية رمزية.
قوله: (بعض البدويات)، قيل: هي أم كردس خادم المصنف.
قوله: (ميزانه في شماله) كناية عن الحمق، انحص شعره وشاربه: إذا تجرد وانحسر، والحاسب إذا أمعن في الحساب وتفكر فيه عض على شفتيه وشاربه.
قوله: (فيما روي عن سهل) الحديث رواه البخاري مع تغيير يسير.


الصفحة التالية
Icon