فهو مطلع على كفر من كفر، وإيمان من آمن، وهو مجازيهم عليه. (كَيْفَ يَشاء) من الصور المختلفة المتفاوتة. وقرأ طاوس (تصوّركم)، أي صوّركم لنفسه، أولتعبده، كقولك: أثلت مالاً، إذا جعلته أثلة، أي: أصلا، وتأثلته، إذا أثلته لنفسك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف: "العالم: اسم لكل ما علم به الخالق من الأجسام والأعراض" كما سبق في "الفاتحة"، وسبيل هذه الكناية سبيل قولك في الكناية عن الإنسان: هو حي مستوي القامة عريض الأظفار، وإنما اختير تلك العبارة على الظاهر ليدل على مزيد تصوير جزئيات العلم ودقائقه وخفاياه، ليكون الكلام أدل على الوعيد وأنه تعالى يعاقبهم على النقير والقطمير، ويجازيهم على كفرهم بكتب الله كتاباً غب كتاب، وعلى تكذيبهم لآياته آية بعد آية، ولهذا قال: فهو مطلع على كُفر من كفَر، وهو مجازيهم عليه، ونحوه قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [النور: ٦٣ ـ ٦٤].
قال المصنف: "إن جميع ما في السماوات والأرض مختصة به خلقاً وملكاً وعلماً، فكيف يخفى عليه أحوال المنافقين، وإن كانوا يجتهدون في سترها"؟
فإن قلت: ما وجه اتصال قوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ) بما قبله؟ قلت: قد مر أن قوله: (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) [إبراهيم: ٤٧] تذييل وتأكيد لإيجاب إنزال العذاب على الكافرين بكفرهم، وأنه لا مانع له عن ذلك، فجيء بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) تتميماً لذلك وإيذاناً بأنه يعاقبهم على القليل والكثير، والنقير والقطمير.
قال القاضي: إنما عبر عن العالم بالسماء والأرض لأن الحس لا يتجاوزهما، وقدم الأرض ترقياً، ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها، وهو كالدليل على كونه تعالى حياً، وقوله: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ) كالدليل على قيوميته.


الصفحة التالية
Icon