ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا) نحن الطائفتان: بنو حارثة وبنو سلمة، وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله: (وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا)، أخرجه البخاري ومسلم.
قوله: ما يسرني أنها لم تنزل، أي: ما يسرني عدم نزول الآية، والمفهوم: أن نزولها سره لما حصل لهم الشرف وثبتت الولاية، ودل ذلك على أنه سرتهم تلك الهمة، وأما رواية المصنف: "ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا به" فمعناه: أن همتهم سرتهم لما نزل بسببها توقيع الولاية، وفي كلام المصنف إشعار بأن لك الهمة ما كانت عزيمة، وقول ابن عباس مرجوح.
وقلت: وكلام ابن عباس رضي الله عنه مبني على التوبيخ كما مر، وينصره قوله: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) فإنه يأبى إلا أن يكون تعريضاً وتغليظاً في هذا المقام، وكذا (فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) مشتمل على تشديد عظيم، يعني: فاتقوا الله في الثبات معه، ولا تضعفوا، فإن نعمته، وهي نعمة الإسلام، لا يقابل شكرها إلا ببذل المهج وبفداء النفس والنصرة له والشهادة في سبيله، فاثبتوا معه لعلكم تدركون شكر هذه النعمة، أو: فاتقوا الله في الثبات معه والنصرة له ليحصل لكم نعمة الظفر، فتشكرونها، فوضع الشكر موضع النعمة إيذاناً بكونها حاصلة، وإليه الإشارة بقوله: "فوضع الشكر موضع الإنعام"، وكل هذه التشديدات لا ترد على حديث النفس.
وأما قول جابر: نحن بنو حارثة وبنو سلمة، وامتيازه إياهما عن الغير، فلا يستقيم إلا على العزيمة، وقوله: وما يسرني أنها لم تنزل، إنما يحسن إذا حملت على العزيمة، ليفيد المبالغة، فهو على أسلوب قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ) [التوبة: ٤٣].


الصفحة التالية
Icon