ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانيها: أن ما قبل الآية، وهو قوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) دل على أن تأويل المتشابه مذموم، وما بعدها، وهو قوله: (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) إنما يحسن إذا قلنا: إنهم آمنوا بما عرفوا على التفصيل وبما لم يعرفوا تفصيله.
وثالثها: أن معنى الرسوخ إنما يتم إذا قلنا: إنهم علموا أن مراد الله غير ذلك الظاهر، ثم فوضوا علمه إلى الله وعلموا أنه الحق والصواب، ولم يزعزعهم عن الصراط عدم علمهم بالمراد بالتعيين.
ورابعها: أن الابتداء من قوله: (يَقُولُونَ) والوقف على (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لم يحسن ذلك الحسن إذا ابتدئ من قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، ويوقف على (إِلاَّ اللَّهُ)، عرف ذلك من رزق ذوقاً. قال صاحب "المرشد": لا إنكار لبقاء معنى في القرآن استأثر الله بعلمه، فالوقف على (إِلاَّ اللَّهُ) على هذا تام. وحكى عن مصحف ابن مسعود: (ويقول الراسخون في العلم آمنا) وقال: لا يكاد يوجد في التنزيل "أما" وما بعدها رفع إلا ويثنى أو يثلث، كقوله تعالى: (أَمَّا السَّفِينَةُ) [الكهف: ٧٩]، (وَأَمَّا الْغُلامُ) [الكهف: ٨٠]، (وَأَمَّا الْجِدَارُ) [الكهف: ٨٢] الآيات. فالمعنى: وأما الراسخون، فحذف "أما"؛ لدلالة الكلام عليه.
فإن قيل: فيلزم على هذا أن يجاء في الجواب بالفاء، وليس بعد (وَالرَّاسِخُونَ) الفاء. فجوابه: إن "أما" لما حذفت ذهب حكمها الذي يختص بها، فجرى مجرى الابتداء والخبر. قال صاحب "المرشد": هذا وجه جيد. وقال ابن الحاجب: أما مجيء المتعدد في "أما" فكثير؛ ولذلك قال بعضهم: إنه لازم، وحمل عليه قوله تعالى: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) على معنى: وأما الراسخون فيقولون: آمنا به. وهذا وإن كان محتملاً في هذا الموضع إلا أن الظاهر خلافه في غيره، كقوله القائل: أما أنا فقد فعلت كذا، ويسكت ولا إشكال في صحة مثل ذلك.


الصفحة التالية
Icon