ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: في قوله: "محتملاً" إغفال للنظم، إذ ليس للاحتمال مجال، لأن الآية من باب الجمع والتقسيم والتفريق، أما الجمع فقوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ)، والتقسيم قوله: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)، وقوله: (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، والتفريق: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) الآية، فلابد من جعل (وَالرَّاسِخُونَ) قسيماً له، لأن التقسيم حاصر، وكان من الظاهر أن يقال: فأما الذين في قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم، فوضع موضع ذلك: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) وإنما وضع: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) موضع "يتبعون" المحكم لإيثار لفظ (الرَّاسِخُونَ) على (المهتدون) في الابتداء، لأن الرسوخ في العلم لا يحصل إلا بعد الاهتداء والتتبع التام والاجتهاد البليغ، فإذا استقام القلب في سبيل الرشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق إرشاداً للخلق، وكفى بدعاء الراسخين في العلم: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [آل عمران: ٨] شاهداً على أن (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) مقابل لقوله: (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)، وكذا (يَقُولُونَ) وما يتصل به مقابل لـ "يتبعون" وما يتعلق به، فكأنه قيل: فأما الزائغون فيتبعون المتشابه، وأما الراسخون فيتبعون المحكم ويردون المتشابه إلى المحكم بقدر وسعهم، وإلا فيقولون: كل من المحكم والمتشابه من عند الله، ثم جيء بقوله: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) تذييلاً وتعريضاً بالزائغين ومدحاً للراسخين، يعني من لم يتذكر ولم يتعظ ويتبع هواه ليس من أولي الألباب، ومن ثم قال الراسخون: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) خضعوا لبارئهم لاستنزال العلم اللدني واستعاذوا به من الزيغ النفساني، وأما قوله: أما أنا فقد فعلت كذا ويسكت، فلا