كل من متشابهه ومحكمه من عند اللَّه الحكيم الذي لا يتناقض كلامه، ولا يختلف كتابه. (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمّل، ويجوز أن يكون (يَقُولُونَ) حالاً من الراسخين، وقرأ عبد اللَّه: (إن تأويله إلا عند اللَّه). وقرأ أبىّ: (ويقول الراسخون).
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) ٨ - ٩]
(لا تُزِغْ قُلُوبَنا): لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) وأرشدتنا لدينك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما الذي يدرك إن طلب، وما الذي لا يدرك، وعلى أي غاية يجب أن يقف طالب العلم، وأي مكان يتجاوزه، وهذا من أشرف منزلة العلماء الراسخين.
قوله: ((بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) وأرشدتنا لدينك) هذا على أن الهداية بمعنى الدلالة الموصلة إلى البغية، وقوله: "بعد إذ لطفت بنا" على أن يكون بمعنى الدلالة المجردة، والمقابل الحقيقي على التقديرين: الإضلال، كما فسره في قوله: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: ٢] لكن لما لم يكن موافقاً لمذهبه قال: لا تبتلنا أي: لا تختبرنا اختباراً يكون سبباً للزيغ، أو لا تمنعنا ألطافك يكون سبباً للضلال، ونسي قوله: إن سبب السبب سبب.
وقال القاضي: (لا تُزِغْ قُلُوبَنَا) من مقال الراسخين، وقيل: هو استئناف، أي: لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى إتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه على الحق، وإن شاء أزاغه".


الصفحة التالية
Icon