تقول: إنك لتظلم الناس كدأب أبيك، تريد كظلم أبيك ومثل ما كان يظلمهم، وإنّ فلانا لمحارف كدأب أبيه، تريد كما حورف أبوه. (كَذَّبُوا بِآياتِنا) تفسير لدأبهم ما فعلوا وفعل بهم، على أنه جواب سؤال مقدّر عن حالهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: في الآية أن الضمير في (عَنْهُمْ) راجع إلى (الَّذِينَ كَفَرُوا)، والمراد بالكفر: الشرك؛ وهو الظلم، (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: ١٣]، كأنه قيل: لن تغني عن الذين ظلموا وأشركوا كما لم تغن عن أولئك، وأن الموقود بالنار يبقى محارفاً كما شقي وحورف أولئك.
قوله: (لمحارف). الجوهري: رجل محارف بفتح الراء، أي: محدود محروم، وهو خلاف قولك: مبارك، وقد حورف كسب فلان، أي: شدد عليه في معاشه.
فمعنى توقد بهم النار، أي: مصيرهم إلى سوء الخاتمة، شبهوا بالمحارف المحروم الذي شدد عليه معاشه في خيبة السعي والعاقبة الوخيمة.
قوله: (على أنه جواب سؤال مقدر) متعلق بقوله: "تفسير لدأبهم" أي: فصل قوله: (كَذَّبُوا) عن الكلام السابق، على طريقة الاستئناف، ليكون تفسيراً لدأبهم، هذا على تقدير أن يكون الكاف مرفوع المحل وأن التقدير: دأب هؤلاء الكفرة كدأب من قبلهم من آل فرعون وغيرهم، وذلك أن المشبه حينئذ معنى مجموع الآية السابقة مما فعل هؤلاء الكفرة من الكفر والتكذيب، وما فعل بهم من تخييب سعيهم وإيقاد النار بهم، لأن المشار إليه بقوله: (هَؤُلاءِ): المار ذكرهم، والمشبه به: حال فرعون من الطغيان وما لحقه من تبعته من إهلاكه، ووجه الشبه قوله: (كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ)، ونحوه قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: ٥٩].