ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الزجاج: (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) ليس بمتصل بآدم، وإنما هو تبيين قصته، فإذا قلت: مثلك مثل زيد، أردت أنك تشبهه في فعل ثم تخبر بقصة زيد تقول: فعل كذا وكذا، والتشبيه تمثيلي، يعني قوله: دأب هؤلاء كدأب آل فرعون وموقعه من الكلام السابق موقع التذييل التشبيهي، كقول الشاعر:
وأشد ما لاقيت من ألم الهوى | قرب الحبيب وما إليه سبيل |
كالعيس في البيداء يقتلها الظما | والماء فوق ظهورها محمول |
وأما على أن ينتصب محل الكاف، فالوجه أمر واحد؛ لأن التشبيه إما واقع في عدم الإغناء، كما قال: (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ)، كما لن تغني عن أولئك، أو في الإيقاد المعني بقوله: أو توقد بهم كما توقد بهم، والوجه على التقديرين عقلي ظاهر لم يحتج إلى البيان، فيكون قوله: (كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ): استئنافاً على بيان الموجب، فإنه تعالى لما أخبر أن أموالهم التي جمعوها، وأولادهم الذين تكاثروا بهم، لم تغن عنهم شيئاً، كما لم تغن عمن قبلهم، أو أخبر أن النار أوقدت بهم كما أوقدت بمن قبلهم، اتجه لقائل أن يسأل: لم أفعل بهم؟ أي: بآل فرعون ومن قبلهم، ذلك؟ فأجيبوا: لأنهم كذبوا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم، ولما كان معنى الدأب: الحال والشأن، وأنك تعلم أن التشبيه الواقع في الحال والقصة لا يكون إلا في الأمور المنتزعة المتوهمة، ولم يستقم ذلك إذا كان الوجه أمراً واحداً،