يوم بدر (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ): يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريباً من ألفين، أو مثلي عدد المسلمين ست مائة ونيفاً وعشرين، أراهم اللَّه إياهم مع قلتهم أضعافهم؛ ليهابوهم، ويجبنوا عن قتالهم، وكان ذلك مدداً لهم من اللَّه، كما أمدّهم بالملائكة، والدليل عليه قراءة نافع: (ترونهم)، بالتاء، أي: ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة، أو مثلي أنفسهم. فإن قلت: فهذا مناقض لقوله في سورة الأنفال (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال: ٤٤]؟ قلت: قللوا أوّلا في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين. ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) وقوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئوُلُونَ) [الصافات: ٢٤]. وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية.
وقيل: يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين على ما قرر عليه أمرهم من مقاومة الواحد الاثنين في قوله تعالى: (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال: ٦٦] بعد ما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله تعالى: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال: ٦٥]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لليهود لا يستقيم عليه قراءة (تَرَوْنَهُمْ) بالتاء، والأقرب أن يراد بقوله: (سَتُغْلَبُونَ) غير الذين أريدوا بقوله: (قَدْ كَانَ لَكُمْ) وأن لا يراد بقوله: (سَتُغْلَبُونَ) يوم بدر، سواء كان المخاطبون مشركي قريش أو يهود، إلا أن يكون الثاني خطاباً للمسلمين مستأنفاً منقطعاً عما قبله امتناناً عليهم، ويساعده قراءة نافع.
قوله: (لافوهم) صح بالفاء، أي: خالطوهم، قال في "الأساس": لف الكتيبة بالأخرى، وجاؤوا من لف ولفيف، وهم الأخلاط، وفي بعض النسخ: بالقاف، والأول أنسب.
قوله: (وقيل: يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين)، هذا معطوف على قوله: "يرى


الصفحة التالية
Icon