بما يوجبها أو يدعوا إليها ويبعث عليها، فكيفَ كانَ خَلقُه إياهم مِن نفْسٍ واحدةٍ على التفصيل الذي ذَكَرَه موجِبًا للتقوى وداعيًا إليها؟ قلت: لأنّ ذلك مما يدلُّ على القُدرةِ العظيمة. ومَن قَدرَ على نحوِه كانَ قادراً على كلِّ شيء، ومن المَقْدُوراتِ عِقابُ العُصاة، فالنظرُ فيه يؤدِّى إلى أن يُتَّقى القادرُ عليه ويُخشى عقابُه؛ ولأنه يدل على النعمةِ السابقةِ عليهم، فحقهم أن يتَّقُوه في كُفرانِها والتفريطِ فيما يلزمُهم مِنَ القيامِ بشُكرها؛ أو أرادَ بالتقوى تَقْوى خاصةً؛ وهي أن يتَّقُوه فيما يتَّصِلُ بحفظِ الحُقوقِ بينهم، فلا يقطعوا ما يجب عليهم وصله، فقيل: اتقوا ربَّكم حيث جعلكم صنواناً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحكم على الوصف أن يكون ذلك الوصف مما له صلاحية العلية؛ وها هنا خلقهم من نفس واحدة، كيف يصح أن يكون علة لقوله: (اتَّقُوا)، وأجاب أولاً: أن الحكم هو الاتقاء من المعاصي والكفر، ومرجع الوصف إلى إثبات العقاب الزاجر من المليك القادر. وثانياً: أن الحكم هو الاتقاء من كفران النعم، ومرجع الوصف إلى إظهار النعمة؛ لأن من قدر على إيلائها قدر على إزالتها.
اعلم أنه قال أولاً: "أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعو إليها"، وذكر بعده "موجباً للتقوى وداعياً" بالواو للمبالغة، يعني: تقرر عند علماء الأصول أن الترتيب على الوصف إما أن يكون موجباً أو باعثاً على الندب، وليس ها هنا من الأمرين شيء.
قوله: (أو أراد بالتقوى تقوى خاصة) عطف من حيث المعنى على قوله: "لأن ذلك مما يدل عليه القدرة"؛ لأن الوجهين السابقين مشتملان على إرادة تقوى عامة من الكفر والمعاصي في جميع ما يجب أن يتقى، ومن كفران النعمة في سائر نعم الله؛ وهذه في نعمة مختصة بما يتصل بحفظ حقوق ذوي الأرحام فقط، وعلى هذا لا يرد السؤال؛ لأن المذكور موجب للحكم بلا تأويل، و"تقوى" غير منصرفة؛ لأن ألفها للتأنيث.
قوله: (جعلكم صنواناً). النهاية: "الصنو: المثل، وأصله أن تطلع نخلتان من عرق


الصفحة التالية
Icon