مبلغ الرجال، فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم وانتصبوا كفاة يكفون غيرهم ويقومون عليهم، زال عنهم هذا الاسم. وكانت قريش تقول لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يتيم أبى طالب، إمّا على القياس وإمّا حكاية للحال التي كان عليها صغيراً ناشئاً في حجر عمه توضيعًا له. وأمّا قوله عليه السلام «لا يتم بعد الحلم» فما هو إلا تعليم شريعة لا لغة، يعنى أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار. فإن قلت: فما معنى قوله: (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ)؟ قلت: إما أن يراد باليتامى الصغار، وبإيتائهم الأموال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (استغنوا بأنفسهم عن كافل) على قوله: (زال) تفسير لقوله: "أن يبلغوا مبلغ الرجال"، أي: سموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال، فإذا بلغوا زال عنهم هذا الاسم. وهذا التعريف بحسب العرف العام لا الشرع؛ لخروج حكم الحلم والسن من التعريف، ولهذا ما أوردوا قوله ﷺ سؤالاً عليه.
قوله: (تعليم شريعة لا لغة) أي: لم يرد بقوله: "لا يتم بعد الحلم" اليتم اللغوي؛ فإن المقام مقام تعليم الأحكام، لا تعليم اللغة، يعني أنه منقول شرعية؛ لأن الغالب على من احتلم الاهتداء لطريق صلاحه، فلا يكون كاليتيم الذي لم يستغن بنفسه عن كفالة كافل؛ ومن ثم ضم الرشد معه في قوله تعالى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) [النساء: ٦].
قوله: (فما معنى قوله: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)؟ ) الفاء تدل على إنكار، يعني: إذا كان معنى اليتم عدم البلوغ وصحة التصرف في الأموال والاستغناء عن الكفالة؛ فكيف قيل: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)؟ وأجاب بجوابين؛ أحدهما: أن اليتامى على ظاهره، والإيتاء على خلاف الظاهر، والثاني: عكسه.


الصفحة التالية
Icon