وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم (فَكُلُوهُ) فأنفقوه. قالوا: فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة، علم أنها لم تطب منه نفسا، وعن الشعبي: أن رجلا أتى مع امرأته شريحًا في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع، فقال شريح: ردّ عليها، فقال الرجل: أليس قد قال اللَّه تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) قال لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه. وعنه: أقيلها فيما وهبت ولا أقيلة؛ لأنهنّ يخدعن. وحكي أن رجلا من آل معيط أعطته امرأته ألف دينار صداقًا كان لها عليه، فلبث شهراً ثم طلقها، فخاصمته إلى عبد الملك بن مروان، فقال الرجل: أعطتني طيبة بها نفسها، فقال عبد الملك: فأين الآية التي بعدها (فَلَا تَاخُذُوا مِنهُ شَيْئًا) [النساء: ٢٠]؟ ! اردد عليها. وعن عمر رضي اللَّه عنه: أنه كَتَبَ إلى قُضاتِه: إن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها» وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال «إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة لا يقضى به عليكم سلطان ولا يؤاخذكم اللَّه به في الآخرة» وروي: أن أناسًا كانوا يتأثمون أن يرجع أحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وتجافت عنه نفوسهن) إشارة إلى التضمين، قال القاضي: جعل العمدة طيب النفسن وعداه بـ (عَن)؛ لتضمين معنى التجافي والتجاوز.
قوله: (من شكاسة أخلاقكم). الجوهري: رجل شكس، أي: صعب الخلق.
قوله: (الآية التي بعدها) يعني قوله: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَاخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) [النساء: ٢٠].
قوله: (يتأثمون). النهاية: قال: تأثم فلان؛ إذا فعل فعلاً خرج به من الإثم، كما يقال: تحرج: إذا فعل ما يخرج به من الحرج، وفي التركيب تضمين، أي: يمتنعون عن أن يرجع أحدهم تأثماً.


الصفحة التالية
Icon