قد دلّ على أن حكم الأنثيين حكم الذكر؛ وذلك أن الذكر كما يجوز الثلثين مع الواحدة، فالأنثيان كذلك يجوزان الثلثين، فلما ذكر ما دلّ على حكم الأنثيين قيل (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) على معنى: فإن كن جماعة بالغاتٍ ما بلغن من العدد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وكان أول العدد الذكر والأنثى فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث؛ فقد بان أن للبنتين الثلثين، فأعلم الله تعالى أن ما فوق البنتين لهن الثلثان.
قولت: اعتبر القاضي في كلامه فائدة الفاء في قوله: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ)، وكذا المصنف بقوله: "فلما ذكر ما دل على حكم الأنثيين قيل: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً) "؛ لأن ترتيب الفاء، ومفهوم الوصف في قوله: (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) مشعران بذلك، كأنه تعالى لما قال: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) [النساء: ١١] علم منه بحسب الظاهر وعبارة النص حكم الذكر مع الأنثى حال الاجتماع، وفهم بحسب إشارته حكم الثنتين؛ لأن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة فالاثنتان كذلك تحوزان الثلثين، فأراد أن يعلم حكم الزيادة على الثنتين، فقال: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ)، فقول المصنف: "أريد حال الاجتماع لا الانفراد" محمول على عبارة النص، وقوله: "قد دل على أن حكم الأنثيين حكم الذكر" محمول على إشارته، وينصر هذا التأويل ما روينا عن أحمد بن حنبل والترمذي وأبي داود وابن ماجة، عن جابر: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد، قتل أبوهما يوم أحد معك شهيداً، وإن عمهما أخذ مالهما ولم يدع لهما مالاً، ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: "يقضي الله في ذلك"، فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله ﷺ إلى عمهما، فقال: "أعط لابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك". ولو لم يكن في الآية ما يدل على حكم الأنثيين، وأن لهما الثلثين؛ لما قال صلى الله عليه وسلم: "أعط لابنتي سعد الثلثين"، بعد قوله: "يقضي الله في ذلك".


الصفحة التالية
Icon