للمفعول مخففًا: فإن قلت: ما معنى (أو)؟ قلت: معناها الإباحة، وأنه إن كان أحدهما أو كلاهما، قدم على قسمة الميراث، كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين. فإن قلت: لم قدّمت الوصية على الدين والدين مقدم عليها في الشريعة؟ قلت: لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض؛ كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم، ولا تطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين؛ فإنّ نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فلذلك قدمت على الدِّين؛ بعثًا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين، ولذلك جيء بكلمة «أو» للتسوية بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (معناها الإباحة) كذا عن الزجاج، قيل: فيه نظر؛ لأنه مخالف لما في "المفصل": "أو" في الخبر للشك، وفي الأمر للتخيير والإباحة، وجوابه: أن الخبر ها هنا في معنى الأمر؛ لما سبق أن معنى (يُوصِيكُمْ اللَّهُ): يعهد إليكم ويأمركم (فِي أَوْلادِكُمْ) في شأن ميراثهم؛ ولهذا مثله بقوله: "جالس الحسن أو ابن سيرين"، ويؤكده قوله بعد ذلك: "ولذلك جيء بكلمة (أَوْ) للتسوية بينهما في الوجوب".
قوله: (لم قدمت الوصية على الدين والدينُ مقدم؟ ٩ الانتصاف: وفيه عندي وجه، وهو أن الآية ما جاءت على ترتيب الواقع شرعاً؛ فإن المبدوء به الدين ثم الوصية ثم الوراثة، ولو أسقطت ذكر (بَعْدِ) فقلت: أخرجوا الميراث والوصية والدين، لم يكن ورود السؤال، وفيه نظر؛ لأن الآية واردة في حكم الميراث أصالة؛ لأنها بيان لقوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ) [النساء: ٧] كما سبق، فكان ذكر الوصية والدين كالاستطراد، وذكر (مِنْ بَعْدِ) أمارة عليه؛ فكأنهما حكم واحد في كونهما مقدمين على الميراث، والظاهر تقدم الدين على الوصية فيرد السؤال.


الصفحة التالية
Icon