وروى أبو أيوب عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «إنّ اللَّه تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» وعن عطاء: ولو قبل موته بفواق ناقة. وعن الحسن: أنّ إبليس قال حين أهبط إلى الأرض: وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده، فقال تعالى: وعزتي لا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر. فإن قلت: ما معنى (مِنْ) في قوله: (مِنْ قَرِيبٍ)؟ قلت: معناه التبعيض، أي: يتوبون بعض زمان قريب؛ كأنه سمي ما بين وجود المعصية وبين حضرة الموت زماناً قريباً، ففي أي جزء تاب من أجزاء هذا الزمان فهو تائب من قريب، وإلا فهو تائب من بعيد. فإن قلت: ما فائدة قوله (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) بعد قوله: (إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ) لهم؟ قلت: قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) إعلامٌ بوجوبها عليه كما يجب على العبد بعض الطاعات، وقوله: (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) عدةٌ بأنه يفي بما وجب عليه، وإعلامٌ بأن الغفران كائن لا محالة كما يعد العبد الوفاء بالواجب. (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ) عطفٌ على (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)؛ سوّى بين الذينَ سوّفوا توبتهم إلى حضرة الموت، وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم؛ لأنّ حضرة الموت أول أحوال الآخرة؛ فكما أنّ المائتَ على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين، فكذلك المسوّف إلى حضرة الموت؛ لمجاوزة كل واحد منهما أوان التكليف والاختيار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كقولهم: فلان لا يتنفس: إذا وصف بالمبالغة في السكوت.
قوله: (وروى أبو أيوب) الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما. غرغر المريض: إذا ترددت روحه في حلقه.
قوله: (بفواق) قال في "الفائق": هو ما بين الحلبتين من الوقت؛ لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب، يقال: ما أقام عنده إلا فواقاً.