(أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ) في الوعيد، نظير قوله: (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) في الوعد؛ ليتبين أن الأمرين كائنان لا محالة. فإن قلت: مَنِ المراد ب (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)؛ أهم الفساقُ من أهل القبلة أم الكفار؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يراد الكفار، لظاهر قوله: (وَهُمْ كُفَّارٌ)؛ وأن يراد الفساق؛ لأن الكلام إنما وقع في الزانيين، والإعراض عنهما إن تابا وأصلحا، ويكون قوله: (وَهُمْ كُفَّارٌ) وارداً على سبيل التغليظ كقوله: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران: ٩٧] وقوله: «فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيًا» «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر»؛ لأن من كان مصدقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (من المراد بـ (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)؟ ) فإن قلت: هذا السؤال مستدرك؛ لأنه ذكر أن قوله: " (وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ) عطف على (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ) "، وقال: "سوى بين الذين سوفوا توبتهم إلى حضرة الموت وبين الذين ماتوا على الكفر"؛ فعلم منه أن الذين يعملون السيئات هم الفساق، والذين يموتون وهم كفار هم الكفار؟ قلت: لا، لأن قوله: (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) لا توقيت فيه، فكما صح أن يكون السياقـ وهو قوله: (وَهُمْ كُفَّارٌ) ـ قرينة للقيد لذلك السياق، وهو قوله: (وَاللاَّتِي يَاتِينَ الْفَاحِشَةَ) [النساء: ١٥]، وقوله: (وَاللَّذَانِ يَاتِيَانِهَا مِنْكُمْ) [النساء: ١٦]، فلما تعارضا تساقطا. وقلت: وليس كذلك؛ لأن قوله: (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ) قسيم لقوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ) [النساء: ١٧] فدلت الآية الأولى على أن توبة المؤمن إنما تقبل قبل غرغرة الموت، والثانية [على] أنها غير مقبولة عندها؛ يشهد لذلك قوله: (مِنْ قَرِيبٍ) [النساء: ١٧] وقوله: (إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ).
قوله: (من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر) أخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده".


الصفحة التالية
Icon