(كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) مصدر مؤكد، أي: كتب اللَّه ذلك عليكم كتابًا، وفرضه فرضًا، وهو تحريم ما حرّم. فإن قلت: علام عطف قوله (وَأُحِلَّ لَكُمْ)؟ قلت: على الفعل المضمر الذي نصب (كِتابَ اللَّهِ)، أي: كتب اللَّه عليكم تحريم ذلك، وأحلّ لكم ما وراء ذلكم. ويدل عليه قراءة اليماني: (كتب اللَّه عليكم وأحلّ لكم). وروي عن اليماني: (كتب اللَّه عليكم)، على الجمع والرفع، أي: هذه فرائض اللَّه عليكم.
ومن قرأ (وَأُحِلَّ لَكُم) على البناء للمفعول فقد عطفه على (حُرِمَتْ) [النساء: ٢٣]. (أَنْ تَبْتَغُوا): مفعول له بمعنى: بين لكم ما يحلّ مما يحرم، إرادة أن يكون ابتغاؤكم (بِأَمْوالِكُمْ) التي جعل اللَّه لكم قياما في حال كونكم مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ؛ لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم، ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين. والإحصان: العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام، والأموال: المهور وما يخرج في المناكح. فإن قلت: أين مفعول (تَبْتَغُوا)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال الحسن: أحسنت، ثم قال: ما تقول فيمن سبى امرأة ولها حليل؟ فقال الفرزدق: أما سمعت قولي؟ وأنشد: وذات حليل.. البيت، فقال الحسن: أحسنت، كنت أراك أشعر؛ فإذا أنت أشعر وأفقه.
قوله: (التي جعل الله لكم قياماً) "قياماً": ثاني مفعولي "جعل"، والمفعول الأول ضمير الأموال الراجع إلى الموصول، أي: التي جعلها الله.
قوله: (والأموال: المهور وما يخرج في المناكح) قال القاضي: واحتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية على أن المهر لابد أن يكون مالاً، ولا حجة فيه؛ ويؤيده ما روينا عن البخاري ومسلم وغيرهما، عن سهل بن سعد، أن رسول الله ﷺ سأل رجلاً خطب الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماذا معك من القرآن؟ "، قال: معي سورة كذا وكذا، عددهن، قال: "تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ " قال: نعم، قال: "اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن".


الصفحة التالية
Icon