وفيه أن من ذهب إلى تشبيه أو ما يؤدّى إليه؛ كإجازة الرؤية، أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور، لم يكن على دين اللَّه الذي هو دين الإسلام، وهذا بين جلي كما ترى! وقرئا مفتوحين، على أن الثاني بدل من الأوّل، كأنه قيل: شهد اللَّه أن الدين عند اللَّه الإسلام، والبدل هو المبدل منه في المعنى، فكان بيانا صريحاً؛ لأن دين اللَّه هو التوحيد والعدل. وقرئ الأوّل بالكسر والثاني بالفتح، على أن الفعل واقع على (إنّ)، وما بينهما اعتراض مؤكد، وهذا - أيضاـ شاهد على أن دين الإسلام هو العدل والتوحيد، فترى القراآت كلها متعاضدة على ذلك. وقرأ عبد اللَّه: (أن لا إله إلا هو) وقرأ أبي: (إن الدين عند اللَّه للإسلام)، وهي مقوية لقراءة من فتح الأولى وكسر الثانية. وقرئ: (شهداء للَّه)، بالنصب على أنه حال من المذكورين قبله، وبالرفع على: هم شهداء للَّه. فإن قلت: فعلام عطف على هذه القراءة (وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ)؟ قلت: على الضمير في (شهداء)، وجاز لوقوع الفاصل بينهما. فإن قلت: لم كرر قوله: (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)؟ قلت: ذكره أوّلا للدلالة على اختصاصه بالوحدانية، وأنه لا إله إلا تلك الذات المتميزة، ثم ذكره ثانياً بعد ما قرن بإثبات الوحدانية إثبات العدل؛ للدلالة على اختصاصه بالأمرين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترى عدل الله فيها، ثم انظر إلى اختلاف أحوال الخلق في الحسن والقبح، والغنى والفقر، والصحة والسقم، وطول العمر وقصره، واقطع بأن كل ذلك عدل من الله تعالى.
وأما ما يتصل بالدين فانظر إلى اختلاف الخلق في العلم والجهل، والفطانة والبلادة، والهداية والغواية، واقطع بأن كل ذلك عدل وقسط.
قوله: (وقرئ: "شهداء لله"، بالنصب على أنه حال من المذكورين) أي: من قوله تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ)، فعلى هذا: (وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ) مبتدأ، والخبر محذوف، أي: هما كذلك، واعترض بين الحال وصاحبها. وعلى قراءة الرفع مختصان بالشهادة لا غير، وهذا أقرب، لأن أغلب تلك الصفات، بل الكل مختصة بالإنسان.


الصفحة التالية
Icon