وما جئت بشيء بديع حتى تجادلوني فيه، ونحوه: (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) [آل عمران: ٦٤]، فهو دفع للمحاجة بأن ما هو عليه ومن معه من المؤمنين هو حق اليقين الذي لا لبس فيه، فما معنى المحاجة فيه؟ ! (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) عطف على التاء في (أسلمت)، وحسن للفاصل، ويجوز أن تكون الواو بمعنى "مع"، فيكون مفعولا معه. (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ): من اليهود والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ): والذين لا كتاب لهم من مشركي العرب: (أَأَسْلَمْتُمْ) يعنى: أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضى حصوله لا محالة، فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فهو دفع للمحاجة)، الفاء: نتيجة، وحاصل المعنى: أنه أوقع (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ) جزاء للشرط وجواباً عن محاجتهم على سبيل الإنكار والتقريع، يعني: إن جادلوك بأن يقولوا: إن ما جئت به دين غريب وبديع، وما سمعنا به في آبائنا الأولين فأخبرهم ووبخهم بقولك: إن الذي جئت به هو التوحيد، وهو الدين القديم الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام، لقوله: (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [البقرة: ١٣١]، و (وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) [الأنعام: ٧٩]، وكذا جميع الأنبياء عليهم السلام، فلم يقولون: إنه بديع؟ ! وإلى الإنكار الإشارة بقوله: "فما معنى المحاجة فيه؟ ! " والضمير في (حَاجُّوكَ) لأهل الكتاب، بدليل قوله: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، وارتباط (فَإِنْ حَاجُّوكَ) بالفاء به، وإن هذه المحاجة لبغيهم وحسدهم، وأما قوله: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) فهو عطف على الجملة الشرطية، والمعنى: فإن حاجك أهل الكتاب فرد محاجتهم بذلك، فإذا أفحمتهم عمم الدعوة وقل للأسود والأحمر: (أَأَسْلَمْتُمْ) أي: جاءكم ما وجب عليكم قبوله من الدين القويم، دين أبيكم إبراهيم؟ (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا)، ودليل العموم انضمام الأميين المعني به المشركون مع أهل الكتاب، فعلى هذا قوله: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) عطف على الجملة الشرطية.