وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقاً إلا سلكته: هل فهمتها لا أم لك؟ ! ومنه قوله عزّ وجل: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: ٩١] بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر. وفي هذا الاستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف؛ لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق، وللمعاند بعد تجلى الحجة ما يضرب أسداداً بينه وبين الإذعان، وكذلك في: (هل فهمتها) توبيخ بالبلادة وكلة القريحة، وفي: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: ٩١] بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا): فقد نفعوا أنفسهم حيث خرجوا من الضلال إلى الهدى ومن الظلمة إلى النور، (وَإِنْ تَوَلَّوْا) لم يضروك؛ فإنك رسول منبه، ما عليك إلا أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الهدى.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَامُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ٢١ - ٢٢]....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لم يتوقف إذعانه للحق) من الإسناد المجازي.
قوله: (وللمعاند بعد تجلي الحجة) خبر، والمبتدأ قوله: "ما يضرب أسداداً"، على أن "ما": مصدرية أو موصولة، والعائد محذوف، أي: ما يضرب به.
قوله: (أسداداً) جمع سد، الأساس: سد الثلمة فانسدت، وضرب بينهما سد وسد، وضربت الأسداد.


الصفحة التالية
Icon