وقرأ الحسن: (ويقتلون النبيين)، وقرأ حمزة: (ويقاتلون الذين يأمرون)، وقرأ عبد اللَّه: (وقاتلوا) وقرأ أبيّ: ([و] يقتلون النبيين، والذين يأمرون)؛ وهم أهل الكتاب قتل أولوهم الأنبياء، وقتلوا أتباعهم وهم راضون بما فعلوا، وكانوا حول قتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين لولا عصمة اللَّه. وعن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: قلت يا رسول اللَّه، أي الناس أشدّ عذابا يوم القيامة؟ قال: "رجل قتل نبياً، أو رجلاً أمر بمعروف ونهى عن منكر" ثم قرأها، ثم قال: "يا أبا عبيدة، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهم أهل الكتاب): الضمير في قوله: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) لأهل الكتاب، أي: إسناد (يَقْتُلُونَ) إلى الموجودينـ مع أن فعل القتل صدر من أسلافهمـ لرضاهم به، فهو من وضع المستقبل موضع الماضي لإرادة الاستمرار فيما مضى وفيما سيجيء، فإنهم لما كانوا راضين بفعل أوليهم فكأنهم قتلوهم، ولما كانوا حول قتل النبي ﷺ فكأنهم يقتلونه، كما تقول: فلان يقري الضيف ويحمي الحريم، أي: هذا دأب اليهود وعادتهم التي استمروا عليها أباً عن جد، والضمير في "قتلوا أتباعهم" لـ "أولوهم"، أي: قتل أولوهم أتباع الأنبياء من الذين يأمرون بالمعروف، وإنما كرر الفعل ليشير إلى أن ما في التنزيل من تكرير (يَقْتُلُونَ) ووضع "القسط" موضع "المعروف" دلالة على رفعة منزلة الآمرين بالمعروف، وأن مراتبهم بعد مراتب الأنبياء، ودافعهم دافع الأنبياء، وأنهم المتخلقون بأخلاق الله، لما فيه رمز إلى معنى قوله: (قَائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران: ١٨] مع اشتماله على معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الآمر بالعدل والاستقامة ناه عن الجور والميل، ومن ثم صرح في الحديث الذي رواه، عن أبي عبيدة، بقوله: "أو رجلاً أمر بمعروف ونهى عن منكر"، ثم قرأها.


الصفحة التالية
Icon