فأمروا قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعاً من آخر النهار". (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)؛ لأنّ لهم اللعنة والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، فإن قلت: لم دخلت الفاء في خبر (إن)؟ قلت: لتضمن اسمها معنى الجزاء، كأنه قيل: الذين يكفرون فبشرهم بمعنى: من يكفر فبشرهم، و"إنّ" لا تغير معنى الابتداء، "فكأنّ دخولها كلا دخول، ولو كان مكانها "ليت" أو "لعل" لامتنع إدخال الفاء؛ لتغير معنى الابتداء.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ *فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [٢٣ - ٢٥]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لتضمن اسمها معنى الجزاء) أي: ألشرط، قال الزجاج: إنما جاز دخول الفاء في خبر إن للموصول، فإن صلته بمنزلة الشرط، كأن "إن" لم تذكر، فالكلام على الابتداء فلا يجوز: إن زيداً فقائم، ولا: ليت الذي يقوم فيكرمك، لأن التمني مزيل لمعنى الابتداء، وقال القاضي: منع سيبويه إدخال الفاء في خبر "إن" كـ "ليت" و"لعل"، ولذلك قيل: الخبر (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)، كقولك: زيد فافهم رجل صالح.
وقال صاحب "الفرائد": عدم جواز دخول الفاء بعد دخول "ليت" و"لعل" لانتفاء معنى الخبرية، فإن الكلام بعد دخولهما لم يبق محتملاً للصدق والكذب، بخلافه بعد دخول "إن"، وفي دخول الفاء على الخبر ها هنا بعد دخول "إن" على المبتدأ إشارة لطيفة، وهو أنهم إن بقوا على ما كانوا عليه وأصروا عليه من الارتضاء بما فعل المقدمون منهم، والعزم على ما هموا به من قتل النبي ﷺ والمؤمنين، فبشرهمـ لأنهم مستحقون للتبشيرـ بذلك، وإن رجعوا عن ذلك وأسلموا، لم يستحقوا ذلك وكانوا كسائر المؤمنين، ولا تحصل الإشارة بدون الفاء.


الصفحة التالية
Icon