(أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ): يريد أحبار اليهود، وأنهم حصلوا نصيبا وافراً من التوراة. و"من" إما للتبعيض وإما للبيان؛ أو حصلوا من جنس الكتب المنزلة أو من اللوح التوراة، وهي نصيب عظيم (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ) وهو التوراة (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) وذلك أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل مدارسهم فدعاهم، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت؟ فقال: "على ملة إبراهيم"، قالا: إنّ إبراهيم كان يهودياً، قال لهما: "إنّ بيننا وبينكم التوراة، فهلموا إليها" فأبيا، وقيل نزلت في الرجم، وقد اختلفوا فيه....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (و"من": إما للتبعيض، وإما للبيان) تفصيل وقع بين متعلقيه، فقوله: وأنهم حصلوا نصيباً وافراً من التوراة على تقدير أن تكون "من" للبيان، والتنكير في (نَصِيباً) للتكثير، والتعريف في (الْكِتَابُ) للعهد، والمعهود: التوراة، وقوله: "أو حصلوا من جنس الكتب المنزلة أو من اللوح" على أن تكون (مِنَ) للتبعيض، والتنكير في (نَصِيباً) للتعظيم؛ لأن التوراة وإن كانت بعضاً من الكتب لكنها حصة عظيمة القدر، ونحوه في الأسلوب قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [الروم: ٢٣] أي: منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار، فصل بالقرينتين الأخيرتين بين الأوليين، ثم اللام إما للجنس إذا أريد الكتب المنزلة، أو للعهد إذا أريد اللوح، ومن ثم قال: "أو من اللوح"، ويجوز أن يقال: إن قوله: "ومن: للتبعيض، وإما للبيان" متعلق بقوله: "وأنهم حصلوا نصيباً وافراً من التوراة"، أما البيان فكما سبق، وأما التبعيض فالمراد من النصيب الوافر: ما فهموا من معانيه وكدحوا في الدراية فيه، والأول هو الوجه؛ لأن المقام يقتضي تعيير اليهود وتوبيخهم وأنهم مع وفور علمهم وحصولهم على النصيب العظيم يرتكبون هذا الأمر الذي يأنف منه كل جاهل غبي.
قوله: (وقيل: نزلت في الرجم) عطف من حيث المعنى على قوله: "دخل مدارسهم فدعاهم"، أي: اختلف النبي ﷺ واليهود في أن إبراهيم كان يهودياً أم حنيفاً مسلماً؟ واختلف النبي ﷺ واليهود في أن الزاني المحصن هل يرجم أو يسخم وجهه؟ وقوله: "وعن


الصفحة التالية
Icon