ونصب عليه عيوناً، وبث من يتجسس عن بواطن أموره؛ لأخذ حذره وتيقظ في أمره، واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به، فما بال من علم أنّ العالم الذات الذي يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن! اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك.
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ٣٠]
(يَوْمَ تَجِدُ) منصوب ب (تودّ)، والضمير في (بينه) لليوم، أي: يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين، تتمنى لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمداً بعيداً. ويجوز أن ينتصب (يَوْمَ تَجِدُ) بمضمر نحو: اذكر، ويقع على (ما عملت) وحده، ويرتفع (وَما عَمِلَتْ) على الابتداء، و (تَوَدُّ) خبره، أي: والذي عملته من سوء تودّ هي لو تباعد ما بينها وبينه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في جميع أحواله، قال في "الأساس": وكلته بالبيع، ومن المجاز: وكل همه بكذا، وهو موكل برعي النجوم، وكلني إلى كذا: دعني أقم به.
قوله: (لأخذ حذره): جواب "لو".
قوله: (العالم الذات) هذا إشارة إلى مذهبه.
قوله: (ويقع على (مَا عَمِلَتْ) وحده) أي: (تَجِدُ) على (مَا عَمِلَتْ) الأولى. قال أبو البقاء: (مَّا) في (مَا عَمِلَتْ): موصولة، والعائد محذوف، وهي منصوب المحل مفعول أول، و (مُحْضَراً) المفعول الثاني، والأشبه أن يكون (مُحْضَراً) حالاً و (تَجِدُ) هيا لمتعدية إلى مفعول واحد، و (وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) مثل الأولى معطوفة عليها، و (تَوَدُّ) على هذا: حال، والعامل: (تَجِدُ).