دعاهم ذلك إلى طلب رضاه، واجتناب سخطه. وعن الحسن من رأفته بهم أن حذرهم نفسه. ويجوز أن يريد أنه مع كونه محذوراً لعلمه وقدرته، مرجوّ لسعة رحمته كقوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) [فصلت: ٤٣].
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) [٣١ - ٣٢].
محبة العباد للَّه مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره، ورغبتهم فيها، ومحبة اللَّه عباده: أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم، والمعنى: إن كنتم مريدين لعبادة اللَّه على الحقيقة (فَاتَّبِعُونِي) حتى يصحّ ما تدعونه من إرادة عبادته ـ يرض عنكم ويغفر لكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن يريد أنه مع كونه محذوراً) عطف على قوله: "يعني أن تحذيره نفسه"، فعلى الأول (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) تذييل للكلام الأول أو تتميم له، وهو المراد من قوله: "إن تحذير نفسه من الرأفة العظيمة بالعباد"، وعلى الثاني تكميل، إذ لو اقتصر على التحذير وحده لأوهم مجرد الوعيد والتهديد، فكمل بالثاني ليجمع بين صفتي القهارية والرحمة تحريضاً على الإنابة، وإليه الإشارة بقوله: كقوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ) [فصلت: ٤٣].
قوله: (محبة العباد لله مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها) يريد أن قوله: (تُحِبُّونَ اللَّهَ) استعارة تبعية: شبهت إرادة نفوس العباد اختصاص الله بالعبادة ورغبتهم فيها بميل قلب المحب إلى المحبوب ميلاً لا يلتفت إلى الغير ولا يرغب إلا فيه. وفي كل قيد من القيود فائدة، سيما قوله: "رغبتهم فيها"، لأنك كم ترى من يختص شخصاً بالخدمة، وقلبه في غاية النفار والرغبة عنه.