ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ): جواب الأمر، أي: يرض عنكم ويكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما فرط منكم، فيقربكم من جناب عزه ويبوئكم في جوار قدسه. عبر عن ذلك بالمجاز على طريق الاستعارة أو المقابلة.
وقال الإمام: اتفق المتكلمون على أن المحبة نوع من أنواع الإرادة، والإرادة لا تعلق لها إلا بالحوادث والمنافع، فيستحيل تعلقها بذات الله وصفاته، فإذا قيل: إن العبد يحب الله فمعناه: يحب طاعته وخدمته، أو يحب ثوابه وإحسانه، وأما محبة الله للعبد فهي عبارة عن إرادة إيصال الخيرات والمنافع في الدين والدنيا إليه، وأما العارفون فقد قالوا: العبد قدي حب الله لذاته، وأما حب طاعته وثوابه فدرجة نازلة. والقول الأول ضعيف، وذلك أنه لا يمكن أن يقال في كل شيء: إنه إنما كان محبوباً لأجل معنى آخر فلابد من الانتهاء إلى شيء يكون محبوباً لذاته، فكما يعلم أن اللذة محبوبة لذاتها كذلك يعلم أن الكمال محبوب لذاته، فإذا سمعت أخبار رستم وإسفنديار في شجاعتهما مال القلب غليهما مع أنا نقطع أن محبتهما معصية، فعلمنا أن الكمال محبوب لذاته، وأكمل الكمالات لله تعالى، فيقتضي كونه محبوباً لذاته من ذاته.
وقال صاحب "الفرائد" بعدما حكى نحواً من هذا المعنى: وهذا أبلغ أنواع الحب، فعلى هذا: حب العبد لله حقيقة، بل المحبة الحقيقية مستحقة لله؛ إذ كل ما يحب من المخلوقات فإنما يحب لحصول أثر من آثار جوده.


الصفحة التالية
Icon