ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: الذي ذهب إليه الإمام ومن تبعه يساعده المقام؛ لأنه سبحانه وتعالى لما عظم ذاته وبين جلالة سلطانه بقوله: (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) الآيات، تعلق قلب العبد بمولى عظيم الشأن ذي الملك والملكوت، والجلال والجبروت، ثم لما ثنى بالنهي للمؤمنين عن موالاة أعدائه، وحذر عن ذلك غاية التحذير، حيث كرر فيه: (وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ) ونبه على وجوب استئصال تلك الموالاة بقوله: (إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ) الآية، وأكد ذلك الوعيد الشديد، وذلك قوله: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) الآية، زاد ذلك التعلق أقصى غايته، فاستأنف قوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ)، كأنه تعالى يشير إلى أن عبيدي لم يتمالكوا أنفسهم عند ذلك بأن لا يسألوا: بأي شيء ينال كمال المحبة وموالاة ربنا؟ فقيل لهم: بعد قطع موالاة أعدائنا تنال تلك الدرجة بالتوجه إلى متابعة حبيبنا، إذ كل طريق سوى طريقه مسدود. وأما ذكر غفران الذنب بعد حصول محبته فللتخلية للتحلية، المعنى: إن أردتم تشريف محبتي، والوصول إلى دار كرامتي، فعليكم متابعة حبيبي، لتصقل إرادة محبتي نفوسكم عن صدأ الذنوب وشوائب العيوب، فتستعدوا لإشراق تجليات الأنوار. اللهم أسعدنا بتبوؤ مقعد الصدق في دار القرار. فعلى هذا قوله: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) من عطف الخاص على العام، لأن إرادة المحبة جامعة للخيرات كلها، والمهم الأولى بحسب الوقت: التخلية، وفيه أن محبة الله من العبد موقوفة على المتابعة، وكذلك محبة العبد من الله مسببة عن المتابعة، فهي الواسطة الحقيقية لا غير.
وقال الإمام: خاض صاحب "الكشاف" في هذا المقام في الطعن في أولياء الله، وكتب ها هنا ما لا يليق بالعاقل أن يكتب مثله في كتب الفحش، فهب أنه اجترأ على الطعن في أولياء الله، فكيف اجترأ على كتبه ذلك الكلام الفاحش في تفسير كلام الله المجيد! ونسأل الله العصمة والهداية.