روي أنها كانت عاقراً لم تلد إلى أن عجزت، فبينا هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخاً له، فتحرّكت نفسها للولد وتمنته، فقالت: اللهم إن لك عليّ نذراً شكراً إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه، فحملت بمريم وهلك عمران وهي حامل (مُحَرَّراً) معتقاً لخدمة بيت المقدس لا يدَ لي عليه ولا أستخدمه ولا أشغله بشيء، وكان هذا النوع من النذر مشروعا عندهم. وروى أنهم كانوا ينذرون هذا النذر، فإذا بلغ الغلام خير بين أن يفعل وبين أن لا يفعل. وعن الشعبي (مُحَرَّراً) مخلصاً للعبادة، وما كان التحرير إلا للغلمان، وإنما بنت الأمر على التقدير، أو طلبت أن ترزق ذكراً (فَلَمَّا وَضَعَتْها) الضمير ل (ما في بطني)، وإنما أنث على المعنى؛ لأن ما في بطنها كان أنثى في علم اللَّه، أو على تأويل الحبلة أو النفس أو النسمة. فإن قلت: كيف جاز انتصاب (أُنْثى) حالا من الضمير في (وضعتها) وهو كقولك: وضعت الأنثى أنثى؟ قلت: الأصل: وضعته أنثى، وإنما أنث لتأنيث الحال؛ لأن الحال وذا الحال لشيء واحد، كما أنث الاسم في: "من كانت أمّك" لتأنيث الخبر، ونظيره قوله تعالى: (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) [النساء: ١٧٦] وأمّا على تأويل الحبلة أو النسمة فهو ظاهر؛ كأنه قيل: إني وضعت الحبلة أو النسمة أنثى. فإن قلت: فلم قالت: (إني وضعتها أنثى)...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (علي نذراً شكراً)، "شكراً": مفعول له، و"أن أتصدق": بدل من قوله: "نذراً".
قوله: (وما كان التحرير إلا للغلمان) من تتمة كلام الشعبي، وقوله: "وإنما بنت الأمر على التقدير"، كلام المصنف، أي: على تقدير العرف والعادة، أي: إن كان ذكراً كان محرراً، وكنت عن الذكر بهذه العبارة، وهو المراد بقوله: "أو طلبت أن ترزق ذكراً".
قوله: ((فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ)) لما كان الخبر مثنى جاز تثنية الاسم، وإن لم يسبق إلا المفرد، وهو قوله: (وَلَهُ أُخْتٌ).
قوله: (فلم قالت: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى)؟ ) يعني: إذا كان علم اللطيف الخبير محيطاً بما