وما أرادت إلى هذا القول؟ قلت: قالته تحسراً على ما رأت من خيبة رجائها وعكس تقديرها، فتحزنت إلى ربها؛ لأنها كانت ترجو وتقدر أن تلد ذكراً، ولذلك نذرته محرّراً للسدانة. ولتكلمها بذلك على وجه التحسر والتحزن قال اللَّه تعالى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) تعظيما لموضوعها وتجهيلا لها بقدر ما وهب لها منه، ومعناه: واللَّه أعلم بالشيء الذي وضعت، وما علق به من عظائم الأمور، وأن يجعله وولده آية للعالمين، وهي جاهلة بذلك لا تعلم منه شيئا؛ فلذلك تحسرت. وفي قراءة ابن عباس: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) على خطاب اللَّه تعالى لها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضعت، فأي فائدة في قولها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى) لأن الإخبار إما للفائدة أو لازمها كما ذهب إليه صاحب "المفتاح".
قلت: هذا على مقتضى الظاهر، وربما تجعل الأخبار ذريعة إلى الامتنان أو التهديد، أو على إظهار التحسر كما نحن بصدده.
قوله: (وما أرادت) إذا فعل بعضهم فعلاً لا يعلم غرضه يقال: ما أردت إلى هذا؟ أي: أي شيء وأي معنى دعاك إلى هذا؟ ففيه تضمين معنى "دعا"، ولهذا عدي بـ "إلى".
قوله: (بقدر ما وهب لها منه) الضمير المرفوع في "وهب" راجع إلى "ما"، والمجرور إلى أم مريم، والمجرور في "منه": راجع إلى الموضوع، و"من": بيان "ما"، ثم في وضع "ما" في "ما وهب" في موضع "من" لإرادة الإبهام والوصفية تفخيم للموهوب وتعظيم له، كقولهم: سبحان ما سخركن لنا، وإليه الإشارة بقوله: "والله أعلم بالشيء الذي وضعت وما علق به من عظائم الأمور".
قوله: (على خطاب الله لها) فعلى هذا لا يكون قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) تجهيلاً لأم مريم، بل نفياً لعلمها، لأن العبد ينظر إلى ظاهر الحال ولا يعرف أسرار الله في


الصفحة التالية
Icon