أي: أنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب، وما علم اللَّه من عظم شأنه، وعلوّ قدره. وقرئ: (وضعت). بمعنى: ولعلّ للَّه تعالى فيه سراً وحكمة، ولعلّ هذه الأنثى خير من الذكر؛ تسلية لنفسها. فإن قلت: فما معنى قوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)؟ قلت: هو بيان لما في قوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) من التعظيم للموضوع والرفع منه، ومعناه: وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لها، واللام فيهما للعهد. فإن قلت: علام عطف قوله (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ)؟ قلت: هو عطف على (إني وضعتها أنثى)، وما بينهما جملتان معترضتان، كقوله تعالى: (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) [الواقعة: ٧٦]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل شيء، وإنما كان على الأول تجهيلاً؛ لأنه تعالى حينئذ يحكي حالها لغيرها ويشكو عنها تحسرها وحزنها على الموضوع، المعنى: اسمعوا قولها وانظروا إلى تحسرها تحقيراً للمولود العظيم الشأن، فاحكموا بجهلها بذلك.
قوله: (وقرئ: "وضعت"): ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، والباقون (وَضَعَتْ) بسكون التاء إخباراً عن الله تعالى، وعلى الأول: من كلام أم مريم.
قوله: (هو بيان لما في قوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) وذلك أن قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) وارد على تفخيم المولود وفضله على الذكر، يعني: أنه قد تعورف بين الناس فضل الذكر على الأنثى، والله هو الذي اختص بعلمه الشامل فضل هذه الأنثى على الذكر، فكان قوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) بياناً لما اشتمل عليه الأول من التعظيم.
قوله: (واللام فيهما للعهد)، أما التي في (الأنْثَى) فمعهود بقولها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى)، وأما التي في الذكر فبقولها: (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً)؛ لأن المحرر لم يكن إلا غلاماً، أو طلبت أن ترزق ذكراً.
قوله: ((وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)) [الواقعة: ٧٦] لأن التقدير: (فَلا أُقْسِمُ