ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة: ٧٥]، (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة: ٧٧]، فاعترض بين القسم والمقسم به قوله: (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) كما اعترض (لَوْ تَعْلَمُونَ) بين الموصوف والصفة.
فإن قلت: قد ظهر أن قوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) بيان لقوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)، وفي التشبيه أيضاً دلالة على تعظيم الأنثى على الذكر، وهذا إنما يصح على قراءة (وَضَعَتْ) على الغيبة، لأنه من كلام الله، وأما على التكلم فلا يستقيم؛ لأنه حينئذ من كلام أم مريم، لاسيما وقد ذهب المفسرون إلى أن قوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) على القراءتين من كلام أم مريم، ومرادها تعظيم الذكر على الأنثى، لأن الذكر يصح استمراره على خدمة بيت المقدس ومجاوريه، بخلاف الأنثى لمانع الحيض وإلحاق الريبة والتهمة وسائر العوارض.
قلت: على هذا يحمل الكلام على التحسر على الحرمان، ومعنى (مَا) في (بِمَا وَضَعَتْ): التحقير، المعنى: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى) والله أعلم بالشيء الذي وضعت، فإنه غير صالح لما نذرت له لنقصانه، فإني طلبت ما يصلح للسدانة، وليس ما طلبت من المحرر مثل هذه الموهوبة؛ لأنها لا تصلح لذلك، ومع ذلك إني غير مأيوسة من فضل ربي أن يتقبل مني هذه بدل ذلك، (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ) لذلك، (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ليحميها الله من شر التهمة والريبة، فاستجاب الله دعاءها وترحم على حرمانها حيث تقبلها (بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً) كما قال، فرضي بها في النذر مكان الذكر، ولم يكن قبل ذلك مشروعاً، فالفاء في (فَتَقَبَّلَهَا) طبقت المفصل.


الصفحة التالية
Icon