فإن قلت: فلم ذكرت تسميتها مريم لربها؟ قلت: لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة، فأرادت بذلك التقرب والطلب إليه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقاً لاسمها، وأن يصدق فيها ظنها بها. ألا ترى كيف أتبعته طلب الإعاذه لها ولولدها من الشيطان وإغوائه؟ وما يروى من الحديث: «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهلّ صارخاً من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها» فاللَّه أعلم بصحته. فإن صح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (التقرب والطلب) قيل: هما متوجهان من حيث المعنى إلى قوله: "إليه"، وإلى قوله: "وأن يعصمها".
وقلت: الأولى أن يجرى التقرب على الإطلاق ليكون كالتوطئة لما بعده، وأن يضمن الطلب معنى التوسل لتعديته بـ "إلى"، يعني: جعلت هذا الاسم وسيلة إلى الله في طلب عصمتها، والذي يؤيد أن التسمية كانت وسيلة في طلب العصمة إتباع الله تعالى هذا الطلب بطلب الإعاذة لها على سبيل الحكاية عن لسانها، فكان تعقيبها: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لقولها: (إِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ) كالبيان والتفسير له، وإليه الإشارة بقوله: "ألا ترى كيف أتبعته؟ ".
قوله: (وما يروى من الحديث) يعني: المراد من قوله: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) طلب الإعاذة لها ولولدها من إغواء الشيطان لا من المس كما ذهب إليه المفسرون مستشهدين بهذا الحديث، إذ هو غير معلوم الصحة، وعلى تقدير صحته فيجوز أن يكون معناه الإغواء لا غير.
قوله: (فالله أعلم بصحته، فإن صح)، أقول: لا وجه لهذا الشك، فإن الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، عن أبي هريرة، واتفقا على صحته.


الصفحة التالية
Icon