فمعناه: أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها، فإنهما كانا معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى: (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: ٤٠ - ٤١]، واستهلاله صارخاً من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه؛ كأنه يمسه ويضرب بيده عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الإمام: طعن القاضيـ يعني عبد الجبار، وهو من أكابر المعتزلةـ في هذا الخبر فقال: إنه خبر واحد على خلاف الدليل، وذلك أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من له تمييز، ولأنه لو تمكن من هذا لجاز أن يهلك الصالحين، وأيضاً، لم خص عيسى عليه السلام دون سائر الأنبياء، ولأنه لو وجد النخس لدام أثره.
ثم قال الإمام: إن هذه الوجوه محتملة، وبأمثالها لا يجوز دفع الخبر الصحيح.
الانتصاف: الحديث مدون في الصحاح فلا يعطله الميل إلى نزعات الفلاسفة، والانتصار بقول ابن الرومي سوء أدب يجب أن يجتنب عنه.
وقلت: قوله: "ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه" كقوله تعالى: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر: ٤] في أن الواو داخلة بين الصفة والموصوف لتأكيد اللصوق، فيفيد الحصر مع التأكيد، فإذاً لا معنى لقوله: "كل من كان في صفتهما"، ولا يبعد اختصاصهما بهذه الفضيلة من دون الأنبياء، وأما قوله: (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: ٤٠] فجوابه أي: بعد أن يمكنه الله من المس، مع أنه تعالى يعصمهم من الإغواء، وأما الشعر فهو من باب حسن التعليل فلا يصلح للاستشهاد.
قوله: (فيستهل صارخاً) منصوب على المصدر، كقولك: قم قائماً.