فإن قلت: أما كان معه الرجلان المذكوران؟ قلت: كأنه لم يثق بهما كل الوثوق، ولم يطمئن إلى ثباتهما، لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من أحوال قومه وتلونهم وقسوة قلوبهم، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره.
ويجوز أن يقول ذلك لفرط ضجره عند ما سمع منهم تقليلاً لمن يوافقه. ويجوز أن يريد: ومن يؤاخينى على ديني؟
(فَافْرُقْ) فافصل (بَيْنَنا) وبينهم، بأن تحكم لنا بما نستحق، وتحكم عليهم بما يستحقون، وهو في معنى الدعاء عليهم؛ ولذلك وصل به قوله: (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) على وجه التسبيب. أو: فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم، كقوله: (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: ١١].
(فَإِنَّها): فإن الأرض المقدسة (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ): لا يدخلونها ولا يملكونها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أما كان معه الرجلان المذكوران؟ ) أي: كيف قال: لا أملك إلا نفسي وأخي على الحصر، وكان معه كالبٌ ويوشع مطيعين متقين؟
قوله: (ولذلك وصل به قوله: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ على وجه التسبيب)، يعني: لما دعا موسى عليه السلام بقوله: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ عقب سبحانه وتعالى ما يدل على استجابة دعائه بقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾، ولا شك أن الحصول في التيه، والمنع من الدخول في الأرض المقدسة، من أشد البلاء، ولولا اشتمال دعائه على الدعاء عليهم لم يحسن هذا الترتيب، هذا إذا قدر أن موسى عليه الصلاة والسلام كان معهم في التيه وكان روحاً له وسلاماً لا عقوبة، وقوله: "أو فباعد بيننا وبينهم" هذا إذا قيل: إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن معهم فيها كما سيجيء.


الصفحة التالية
Icon