فإن قلت: كيف يوفق بين هذا وبين قوله: (الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)؟ [المائدة: ٢١] قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يراد: كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها فلما أبوا الجهاد قيل: (فإنها محرمة عليهم).
والثاني: أن يراد فإنها محرمةٌ عليهم أربعين سنةً، فإذا مضت الأربعون كان ما كتب. فقد روي أن موسى سار بمن بقي من بني إسرائيل، وكان يوشع على مقدمته، ففتح أريحاء وأقام فيها ما شاء اللَّه، ثم قبض صلوات اللَّه عليه. وقيل: لما مات موسى بعث يوشع نبياً، فأخبرهم بأنه نبيّ اللَّه، وأن اللَّه أمره بقتال الجبابرة، فصدقوه وبايعوه وسار بهم إلى أريحاء، وقتل الجبارين وأخرجهم، وصار الشام كله لبني إسرائيل.
وقيل: لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال: (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) وهلكوا في التيه ونشأت نواشئ من ذرّياتهم فقاتلوا الجبارين ودخلوها.
والعامل في الظرف إما (مُحَرَّمَةٌ) وإما (يَتِيهُونَ)، ومعنى (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ): يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقاً. والتيه: المفازة التي يتاه فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا) يؤيد هذا الوجه عطف قوله: ﴿وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ على قوله: ﴿ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، فإنهم لما خالفوا النهي هذا خسروا وتاهوا، فقوله: " بشرط أن تجاهدوا" مستنبط من الجملة المنهية، وفي هذا العطف دلالة على جواز تقييد المطلق به فليتأمل.
قوله: (والعامل في الظرف) أي: ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ (إما ﴿مُحَرَّمَةٌ﴾ وإما ﴿يَتِيهُونَ﴾) قال أبو البقاء: ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ ظرف لـ ﴿مُحَرَّمَةٌ﴾، فالتحريم على هذا مؤقت، و ﴿يَتِيهُونَ﴾ حال من الضمير المجرور، وقيل: هي ظرف لـ ﴿يَتِيهُونَ﴾، فالتحريم على هذا غير مؤقت، وقال الزجاج: نصبه بـ ﴿مُحَرَّمَةٌ﴾ خطأ، لأنه جاء في التفسير أنها محرمة عليهم أبداً فنصبه


الصفحة التالية
Icon