فإن قلت: كيف كان قوله: (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) جواباً لقوله: (لَأَقْتُلَنَّكَ)؟ قلت: لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل، قال له: إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى، لا من قبلي، فلم تقتلني؟ وما لك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى اللَّه التي هي السبب في القبول؟ فأجابه بكلام حكيمٍ مختصرٍ جامعٍ لمعانٍ.
وفيه دليل على أنّ اللَّه تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق، فما أنعاه على أكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال: أراد: ذات النطع فإذا الموت كنع، وبذا القلع، وقرف القمع، فأبدل من لام التعريف ميماً، وقوله: قرف القمع: أراد أنهم أوساخ أذلاء كالوسخ الذي يُقرف من القمع، ونصب "قرف" على النداء، قوله: كنع، أي: قرب، وقلع: سيف منسوب إلى مرج القلعة بالتحريك، وهو موضع بالبادية.
قوله: (بكلام حكيم) أي: ذي حكمة، أي: وصف بصفة صاحبه، كقوله تعالى: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: ١ - ٢] أي: هذا الجواب واردٌ على أسلوب الحكيم لأنه تلقاه بغير ما يتطلب وبما هو أهم له من القتل، وإليه الإشارة بقوله: "وما لك لا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول".
قوله: (فما أنعاه! )، الجوهري: فلان ينعي على فلان ذنوبه، أي: يُظهرها ويشهرها، والضمير يعود على قوله: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ﴾ على تأويل القول، وهو منصوب، كزيد في قولك: ما أحسن زيداً، والفعل منسوب إليه، كذا قال ابن الحاجب في "شرح المفصل"، و"أعمالهم" أيضاً منصوب به لاقتضاء النفي مفعولاً، إذ الأصل الآية ناعية على العاملين أعمالهم.