ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم: «المستبان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم» على أنّ البادي عليه إثم سبه، ومثل إثم سب صاحبه، لأنه كان سبباً فيه، إلا أن الإثم محطوطٌ عن صاحبه، معفوّ عنه، لأنه مكافئ مدافع عن عرضه، ألا ترى إلى قوله: «ما لم يعتد المظلوم؟ » لأنه إذا خرج من حدّ المكافأة واعتدى لم يسلم.
فإن قلت: فحين كف هابيل قتل أخيه واستسلم وتحرج عما كان محظوراً في شريعته من الدفع، فأين الإثم حتى يتحمل أخوه مثله، فيجتمع عليه الإثمان؟ قلت: هو مقدّرٌ، فهو يتحمل مثل الإثم المقدّر، كأنه قال: إني أريد أن تبوء بمثل إثمي لو بسطت يدي إليك.
وقيل: (بِإِثْمِي) بإثم قتلي (وَإِثْمِكَ): الذي من أجله لم يتقبل قربانك.
فإن قلت: فكيف جاز أن يريد شقاوة أخيه وتعذيبه بالنار؟ قلت: كان ظالما وجزاء الظالم حسن جائز أن يراد. ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ)؟ وإذا جاز أن يريده اللَّه، جاز أن يريده العبد، لأنه لا يريد إلا ما هو حسن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (المستبان ما قالا). قال الصاغاني في "كشف الحجاب": الحديث أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة وأنس: "المستبان ما قالا، فهو على البادي حتى يعتدي المظلوم". "المستبان": مبتدأ، وقوله: "ما قالاه فعلى البادي" جملة شرطية خبر له، و"ما" في قوله: "ما لم يعتد المظلوم" في رواية الكتاب: مصدرية، فيها معنى المدة، وهي ظرف لمتعلق الجار والمجرور الذي هو خبر المبتدأ، المعنى: المستبان الذي قالا: استقر ضرره على الذي بدأ بالسب مدة عدم اعتداء المظلوم، أي: ما لم يتجاوز المظلوم حد ما سبه البادي، فإذا جاوز استقر ضرر ما قالا عليهما معاً.
قوله: (وإذا جاز أن يريده الله تعالى جاز أن يريده العبد)، الانتصاف: فيه ما يدل على أن